Friday, December 28, 2012

عشرة أخطاء جسيمة ومبدئية في تحليل سياسة الشرق الأوسط



تأليف: الدكتور اريك دافيس
استاذ العلوم السياسية في جامعة رتجرز
مدير برنامج الدراسات العليا
والمدير السابق لمركز دراسات الشرق الاوسط

الخطاء الأول: إن عدداً كبيراً وللأسف من الذين يحللون سياسة الشرق الأوسط من المحللين السياسيين, الصحافيين أو الإختصاصين الأكادميينلا يتعاطون مع التاريخ بجدية .إنهم يفشلون في وضع سياسة الشرق الأوسط في الإطارو السياق التاريخي. لذا يصعب أن يكونوا موضوعيين إلا إذا كان لهم بعد نظرو اطلاع بكيفية معالجة التحولات السياسية في المنطقة بشكل سليم.
بعض المحللين لاحظوا على سبيل المثال أن العراقيين لم يكونوا متحمسين عندما أسقطت أميركا نظام صدام حسين في نيسان 2003 فهذا لا يدل على أن العراقيين لم يكونوا ممتنين وشاكرين بل إن الأكثرية هللت لرؤية اندحار نظام صدام.
إن بعض العراقيين الذين يملكون الحس والوعي التاريخي يعرفون أن الولايات المتحدة ساعدت صدام حسين في الحرب الإيرانية العراقية ويذكر العراقيون جيدا أنه عندما دعاهم الرئيس جورج بوش الأب إلى الإنتفاضة ضد صدام حسين سنة 1990 أخذوا بكلامه و استجابوا.لا يخفى أنه لم تتدخّل الولايات المتحدة لتساعد الانتفاضة في شباط 1991فحسب, بل سمحت لطائرات الهليكوبتر المقاتلة دخول منطقة الحظر وضرب المقاومة.
أما عندما علّق "دونلد رامسفيلد" على عمليات النهب والسرقات التي حصلت في بغداد في شهر نيسان 2003 فقد صرّح أنها أتت نتيجة لثمن الحرية المستوجب على العراقيين دفعه. علماً أن وزارات الدولة نهبت بالكامل وكذلك المتحف الوطني, فقد خسر معظم محتوياته التي لا تقدّر بثمن. كان ذالك أحد أهم الأسباب التي أفقدت العراقيون الثقة بالانضمام إلى قوات إدارة بوش, التي وعدتهم بادخال تجربة الديمقراطية إلى العراق.
الخطأ إذاً يتعلق مباشرة بفكرة "الشرق الأوسط الأزلي" أي بما أن الشرق الاوسط لن يتغير مطلقاً فلا ضرورة لفهم تاريخه الحديث او القديم. فكرة الغرب المسبقة إذاً عن الشرق الاوسط ليست بالشئ الجديد. (بالطبع هناك أفكار مسبقة للشرق عن الغرب).
من هذه الافكار المسبقة الخاطئة ان الاسلام هو ديانة الصحراء اليابسة التي لا تتغّير ولا مجال مطلقا للفصل بين الدين والدولة, وان الشرق الاوسط هو بؤرة للإضطرابات و للارهاب.
في مجال دراستي حالياً حول موضوع "الشرق الاوسط في السياسة الامريكية" أتناول التأثيرات السلبية في دراسات المحللين, الأكاديميين والمدنيين عامة في الولايات المتحدة, واعتقادهم الخاطئ أن الشرق الاوسط عاص عن التغيير.إذ أنه إذا كان هذا التحليل صحيحاً فلا يكون هناك اي أمل في إزالة او حل أي عقبة لمشاكل المنطقة. على كل من يريد معالجة سياسة الشرق الاوسط إذاً الابتعاد عن هذه الافتراضات الخاطئة.
الخطاء الثاني: التشديد المفرط على العرق والهوية المذهبية. إن العديد من المحللين السياسيين المهتمينبالشرق الاوسط يبالغون فى التشديد على العرق و المذهب و يرونه من منظار بدائى و ضيق. فهم يركزون على الدين والعرق ويتناسون عوامل كثيرة اخرى. وهذا ما يؤدي إلى إبعاد البحث عن أمور وعوامل مهمة تؤثّر على السياسة والمجتمع الشرق أوسطي. وتعطي فكرة ان الشرق الاوسط خصوصاً الدول الاسلامية وكأنها ملتزمة بهوية خاصة مؤطرة وهي الاسلام ,وتبعا لذالكبهويات ملحقة بها كالعرق والقبيلة..الخ.
هذا هو الاعتقاد السائد في الاعلام الذى يعطي إنطباعاً ان المسلمين في الشرق الاوسط هم ليسوا وطنيين ولا هوية وطنية لهم. نتيجة ذلك يحتاجون الى حكم سلطوي للابقاء على كل الفئات مترابطة فى إطار مناطقى مصطنع. إن هذا النوع من التصوّر يعطي فكرة سلبية خاطئة عن الشرق الاوسط وكأنه انظمة طائفية وعرقية تسيطر على كينونة الوضع السياسي والاجتماعي. واذا كان الوضع كذلك فمن هم من جنسيات واديان مختلفة لا يمكنهم العيش معاً وبسلام.النتيجة الحتمية إذا,أن الشرق الاوسط مكان خطير والصراع فيه لا مفر دائم.
الموضوع دائم الحضور في الاعلام, ففي شهر كانون الثاني سنة 2009 كان البارز في الصحافة "الانشقاقات الطائفية والثوار يهددون بعدم إمكانية إجراء إنتخابات عادلة في مقاطعة ديالي العراقية" وأُبلغنا أنّ الصراع الطائفي الذي طال امده في ديالي اكثر من ايّ مقاطعة أخرى في العراق حيث صُورت في الاعلام كانها صورة مصغرة عن وضع العراق ككل. إن السنة و الشيعة والاكراد والعرب فلاحين ومتعلمين يعيشون بشراكة وأمان, إذاً ما تتناقله الصحافة من صراع وخلافات هو صورة مشوهة عن الوضع الحقيقي. تعتيم الصحافة عن الوضع المتحسن والسليم وان الاحزاب تحصل على إيرادات ووظائف ومساعدات وعقود عمل تحفزها إلى الدخول في كوادر الوطن. فالوضع في ديالي سببه عدم وجود الوظائف والخدمات و هذا كله يمكن تأمينه إنما التعتيم عليه يزيد الشرخ القائم مع المناهضين للامركة والمؤيدين للطائفية والمذهبية.
يبقى أنّ للقارئ الحكم ومعرفة الاسباب الحقيقية للعنف. ولذلك نرى أنّ المجتمعات المقسمة طائفياً ومذهبياً وعرقياً تولد بعض العنف بينما أخرى تبقى سليمة.
واذا كان العراقيون يميلون إلى العنف بسبب الخلافات المذهبية فكيف نفسّر نسبة 25% من الزواجات المختلطة بين هذه الطوائف؟
الاعتقاد أنّ المجتمع الطائفي يوّلد الارهاب هو خاطئ والاّ فستكون نتيجة هذا الإعتقادأنّ التغيير في العراق والبلاد الاسلامية في الشرق الاوسط غير ممكن.
ألخطاء الثالث: فكرة التفكير الجماعي.
عندما يأتي أحد المحللين السياسيين من العراق او مصر او ايران او اي بلد إسلامي اخر في الشرق الاوسط إلى الولايات المتحدة الامريكية ويتعرف او يحلل دين ولون وعرق إنساناً امريكياً فهل يمكنه معرفة ايديولوجيته واعتقاده السياسي؟ الوضع ليس مختلفاً بالنسبة لمحللي سياسة الشرق الاوسط, فالذين يبنون تحليلاتهم على الوضع اجتماعي لاحد الزعماء السياسيين, يستخلصون مسبقاً ان تصرفاته يجب ان تكون مطابقة لتصرفات كل أبناء عرقه ودينه وإنتمائه الاسري والقبلي. ما يعرضه هذا الانموذج كما في كتاب "الفكر العربي" يتناسى أنّ الفروقات العرقية والقبلية تخف بالخبرة الحياتية والعمر والثقافة والمهنة ومنطقة السلالة وغيرها وتتجه نحو إنتماء سياسي ايديولوجي. فلا يعقل ان يقاس جميع الناس بمقياس واحد. ولا يجوز ان يكون التفكير الامريكي هكذا.
خلال محاضرة للكاتب النيويوركي سيمور هرش في جامعة رتجرز في شهر تشرين الاول سنة 2005 اشار الى ان الاكراد هم "محتلو ارض" و العرب السنة هم "ارهابيون" والشيعة العرب هم"مسلمون مذهبيون متزمتون" واكّد ان لا شيء جيّد حصل من سقوط نظام صدام حسين. وجّه هرش إتهاماته إلى العراقيين الذين وقفوا الى جانب ادارة جورج بوش متجاهلاً التضحيات التي قام بها العديد من العراقيين الديموقراطيين.
الخطاء الرابع: التركيز على النخبة.
واضح أن النخبة السياسية تحتل المركز الرئيسي في صناعة سياسة كل بلد. ولكن كما رأينا في انتخابات باراك اوباما, ان التحركات الشعبية لعبت دوراً هاماً في السياسة.
الثورة الامركية والفرنسية, وثورة اللاعنف التي قام بها غاندي ضد الاحتلال في الهند, واسقاط شاه ايران, وانهاء حالة التمييز العنصري في جنوب افريقيا, وتطورات سياسية اخرى كثيرة لم تكن لتحصل لولا التحرك والدعم الشعبي.
خلال الهجوم الاسرائيلي الاخير على غزة الصحافة العالمية لم تعطِ صورة حقيقية عن الاضربات في داخل اسرائيل نفسها والمناهضة للحكومة. حيث نلاحظ الاخفاق في تغطية التحركات الشعبية وإخفاء دورها عن سياسة المنطقة.
الرأي العام الذي غالباً ما يكون يتناقض مع تصرفات النخبة هو في العادة مستثنى من التحليل. لذلك التركيز فقط على النخبة يؤدي الى مفهوم متناقض لسياسة الشرق الاوسط. لأن النخبة تريد أن ترى مفهوم سياسي مختلف للذين يعارضون تصورهم وموقعهم السياسي.
هناك عدة استطلاعات شعبية تبّين أن اسرائيل تحارب الطائفية. 92% من استطلاعات الرأي العراقي اجابو بالنفي لما سؤلوا في اذار سنة2008 على "بي بي سي" هل تؤيد فصل الشعب في المناطق المختلطة طائفياً؟, هذا يبين ان ليس لهم ارتباط وثيق بالطائفة. كما أن من الملفت تدني نسبة الحضور الى المساجد.
النخبة التي تستغل الطائفية تعمل على تحريك السياسة لصالح مآربها الشخصية. في حين ان المواطنين يرفضون هذه السياسة لأنها تؤثّر على حياتهم اليومية.
الخطاء الخامس: أسطورة التطرف الاسلامي.
ترى الصحافة الغربية ان التطرف الاسلامي إنما هي في صميم الشرق الاوسط إن لم تكن في كل مشاكله. سوف أعرض لاحقاًدراسة مفصلة لهذا الموضوع, أما الآن,
أأكد ان فكرة التطرف الاسلامي ليست إلا مجرد اسطورة يبدأ دحضها باظهار ان كل الذين يدعون التطرف الاسلامي لا يعرفون شيئً عن العقيدة أو القوانين الشرعية. اختبرت هذا الامر عندما كنت في مصر منذ سنوات واجريت بحثاً علمياً عن واقع الاخوان المسلمين وتبين لي ان الاخوان الذين اوقفوا في المحاكم لارتكابهم اعمال ارهابية, كانت ثقافتهم متدينة ومحدودة جداً واجوبتهم للقضاء سطحية للغاية مما يظهر وبوضوح جهلهم التام للعقيدة والشرع, ولم يكن لديهم اي دليل او اثبات يرتكز على معرفة نصوص الدين, كل ما يعرفونه ان اعمالهم جاءت بحسب تعاليم الاسلام.
نكتفي الان باقامة مقارنة بين الاسلاميين المتطرفين وبين اعضاء "كو كلكس كلان" هذه المنظمة التي ارهبت الافارقة الامركيين باسم المسيحية, وهي لا تمت الى الدين المسيحي بصلة لا من قريب ولا من بعيد, والمسيحية ترفضها رفضاً قاطعاً.
بالمقابل الاسلاميون المتطرفون لايستحقون ان يدعوا كذلك لأن لا ثقافة ولا معرفة لهم بالاسلام, إنهم يقررون ثقافتهم بحسب ظروفهم الشخصية, ويصنعون ديانة خاصة بهم لا علاقة لها بالاسلام. حيث يكون لديهم برنامج سياسي مرتبط احياناً بالوضع الاقتصادي ومزين إسلامياً بما يخدم اهدافهم ومصالحهم.
على سبيل المثال لا الحصر, وبعكس ما تحدده الصحافة الغربية, الجهاد بالنسبة للمسلم الحقيقي هو جهاد النفس, والصلاة, وعمل الخير, والنهي عن المنكر للوصول إلى الله, وليس بالاعمال العنفية بل باحقاق الحق والدفاع عن حقوق الناس مسلمين وغير مسلمين.
الخطاء السادس: رؤية سياسة الشرق الاوسط بمنظارمزدوج.
إن النظرة الخاطئة هي ان تُرى الاحداث في الشرق الاوسط باللونين الابيض والاسود فقط. من الملاحظ ان اخطاءً كثيرة ارتكبها جيش المهدي في العراق بين سنة 2003و2007 بعدما فقد الكثير من قوته, ولكنه بقي وما زال يقدّم اكثر الخدمات الاجتماعية, فجيش المهدي هو الذي يؤمن العمل, والتأمين الصحي, والتعليم, وتوفير الامن وليس الحكومة المركزية, ما يجعلنا ندرك ضرورة التمييز بين جماعاته المسلحة والتي ارتكبت اعمال مشبوهة كالتطهير العرقي والمجازر و بين الفصائل التي تؤمن الخدمات الاجتماعية وتوفير المساعدات للشعوب الفقيرة المحتاجة.
إن مجلس الشورى الايراني الذي يترأسه اَية الله علي خامنئي والرئيس الايراني محمود احمدي نجاد يكوّن مجموعة من السياسيين الغير مرغوب بهم. عدداً وفيراً من إستطلاعات الرأي العام تثبت ان الارانيين باغلبيتهم يؤيدون الدمقراطية وبشدة خاصة المثقفين من الطبقة الوسطى. وبالفعل في اواخر سنة 1990 نال الاصلاحيون عدداً كبيراً من المقاعد في البرلمان الايراني وفي مجالس البلديات والتي حافظوا عليها لغاية سنة 2004 حين سيطر عليها مجلس الشورى وتضاعفت قوة المحافظين.
انتخاب الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي سنة 1997 هو دليل اَخر يظهر ان قسماً كبيراً من المجتمع الايراني يتطلّع للتغيير الديمقراطي والاصلاح.
مرة اخرى ان النظر إلى ايران من منظار محور الشر كما صوّرها الرئيس السابق جورج بوش في خطابه في كانون الثاني سنة 2002 والموجه للامة يدل على فكر مزدوج ما يعطّل فهم المجتمع وامكانية تغيير إيجابي.
الخطاء السابع: عدم فهم تاريخ, ولغة, وثقافة المنطقة.
سنة 1961 أصدر "ديك غرغوري" الكوميدي والناشط الكوميدي المعروف البومه الشهير"ديك غرغوري المعيوش بالابيض والاسود" معتمداً على إنجازه في احد نوادي شيكاغو. فذكر عبارته الشهيرة قائلاً: "أليس من المضحك ان يكرهنا غربتشيف نفسه وليس مترجمه"؟ فكيف يمكن للصحافيين والمحللين الاكادميين الذين يتناولون سياسة الشرق الاوسط ان يقدموا معلومات صحيحة للغرب وهم لا يعرفون اللغة, ولا التاريخ, ولا ثقافة المنطقة.
في مقالة للنيويورك تايمز نهار الاحد تاريخ 25 كانون الثاني 2009 عنوانها "ثورة الفيس بوك" لسمنتا شابيرو تعرض كيف ان الفيس بوك في الانترنت يحفّز الشباب سياسياً لانتقاد الحكومة وخداعها في موضوع المراقبة وتأثيرها في عملها ضد حركات المعارضة ومنها الاخوان المسلمين. والكاتبة تعتمد على معلومات قدمها لها احد المصريين وهي لا تعرف اللغة العربية, وقد اعتمدت على مترجم للتخاطب مع المصريين الذين يعارضون حكم الرئيس مبارك. لا ندري كيف يمكنها الاعتماد على صدقية المترجمين للحصول على معلومات صحيحة؟ هل هي فعلاً حصلت على معلومات موثوق بها؟ أو ان هذه المعلومات هي وجهة نظر المترجم والمخبر؟.
أنا لا اقترح على الذين لا يعرفون لغة البلاد ان ينكفئوا عن نقل الاخبار والاوضاع السياسية. فأريك رولو مثلاً صحافي متمرّس عاش في منطقة الشرق الاوسط اكثر من ثلاثين سنة مراسلاً لمجلة اللومند, وهو يتكلم اللغة العربية وبطلاقة. هل من المعقول ان نعيّن رئيس مكتب تحرير يقيم في واشنطن دي سي ليكون مراسلاً لمجلة إيرانية اساسية او لبلاد عربية او تركيا او إسرائيل إذا لم يكن يتكلم اللغة الانكليزية؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا مجلة او صحيفة على مستوىً رفيع من الاهمية لا تحاول تعيين مراسلين يتكلمون وبطلاقة لغة البلد مثل جان بارنز ونيل مكفاركوار في النيويرك تايمز. وصحيفة واشنطن بوسط التي تستخدم الصحافي المخضرم أنطوني شديد. هؤلاء فقط لاعطاء بعض الامثلة.
الخطاء الثامن: الفشل في عدم الاخذ بوضع الاقتصاد السياسي.
على الرغم من عدم وجود نماذج ثراء كثيرة بسبب اموال البترول في الشرق الاوسط (عملياً العديد من القادة السياسيين في ايران وفي الدول العربية المنتجة للنفط لديهم المال الوفير) يبقى ان الفقر المدقع والبطالة مستشرين في المنطقة, ونسبة الشباب تحت سن 25 تزيد على 60% في دول مثل العراق وايران ويوجد نسبة عالية جداً منهم عاطلون عن العمل او يعملون بمراتب زهيدة. بعض الصحف تداولت هذا الموضوع ولكن القليل منها بحثت في توفير شروط حلول للإقتصاد السياسي في الشرق الاوسط.
الخطاء التاسع: الفشل في معالجة التأثيرات الخارجية والداخلية لسياسة المنطقة.
النموذج السياسي المهم يقضي ان مؤشرات الديموقراطية ترتفع بشكل ملموس مع وجود بعض المتغيرات ومن ضمنها حروب المناطق, وارتفاع سعر البترول. فالاستقرار السياسي في لبنان مرهون بالوضع الاقليمي, والصراعات الداخلية بين الفئات السياسية المختلفة. لا احد يجهل انه اذا سوريا, اسرائيل, ايران, السعودية او الولايات المتحدة لعبوا دوراً ايجابياً في لبنان او عكفوا عن التدخل في اموره السياسية فسوف ينعم لبنان بالاستقرار السياسي و يتجه نحو الديموقراطية.
هذا النوع من الجدل لا يعطي الذريعة لمواطني الشرق الاوسط ان يلقوا خلافاتهم كلها على التدخل الخارجي. مع العلم ان الاستعمار كان له الاثر السلبي خلال القرن العشرين. فالذين يضعون اللوم على العراق في الاعوام الخمسة الماضية منذ سنة 2003 فليتذكروا ان كل جيران العراق من سوريا الى ايران فالسعودية فتركيا وحتى الاردن لا يريدون ان يروا العراق مستقراً وديموقراطياً لان هذا يؤثر على كون نظام الحكم في بلادهم سلطوي. لذلك كل هذه البلدان لعبت ادواراً وتدخلات سلبية في سياسة العراق منذ سنة 2003
الخطاء العاشر: لماذا لا يحبوننا؟
الإعتقاد السائد لدى العديد من الامركيين بما فيهم المحللين السياسيين ان شعوب الشرق الاوسط وشعوب العالم الثالث يلزمهم اعتماد بعض المبادئ والقيم الغربية في انظمتهم لكي يصبحوا من الشعوب المتقدمة ويحصلوا على الديمقراطية الفعلية.
تبعاً لذلك فان الغربيين يقبلون بالمبدئ الذي طرحه "تومس فريدمن" وهو ان العالم مسطح. وان هذا الطرح يفرضه الامر الواقع. ويعني ان العالم ليس مسطحاً فقط بل يجب ان يكون مسطحاً. بمعنى اَخر يجب على الشرق ان يتأقلم مع تقنية الغرب ومعرفته. فالهنود الذين ملؤوا المكاتب والمراكز الغربية بالمعرفة والتكنولوجيا فقدوا وظائفهم بسبب الازمة الاقتصادية. إذ كان الاحرى بهم وبشعوب الشرق الاوسط وشعوب العالم الثالث الا يعتمدوا كثيراً على الغرب في حل مشاكلهم. يظهر ان فريدمن نسي الدور المهم والدقيق الذي لعبته الحكومة الهندية سنة 1966 تفرضها الضرائب وسنها القوانين لتمكين البلاد من بناء معرفة علمية ومؤسساتية للتكنولوجيا وعلم الكومبيوتر.
فيما يتعلق بالعراق سوف اعالج في كتابي القادم "الديموقراطية الحقيقية في العراق" موضوع " المعرفة الفطرية" ولي في ذلك امثلة كثيرة إستنبطها العراقيون واستعملوها لبناء مؤسسات اجتماعية ومجتمع مدني لنشر الديموقراطية. لا ننكر ان هناك ثقافة عالمية صادرة ومنتشرة في الغرب, ولكن نحن هنا في الغرب يجب ان نفهم ونتقّبل العادات الايجابية للشعب الشرق اوسطي, وامكانياته في تقرير مصيره دون تدخّل في شؤونه الداخلية والذاتية, وبالتالي لا نفرض عليهم ان يكونوا مثلنا.
في المستقبل ايضاً سوف اعالج موضوع انتخابات المحافظات العراقية, والعلاقة بين الاسلام والسياسة في الشرق الاوسط.